ملاحظة: هذا المقال مأخوذ عن المدوِّن “ماثيو زيليسكو” (Matthew Zelesko)، ويُحدِّثنا فيه عن تجربته في تعزيز الاستقلال الذاتي لدى أفراد الفريق.

كلَّما زاد نموُّ شركةٍ ما، زادت حاجتها إلى الرتابة والروتين، وهذا ليس شيئاً سيئاً؛ إذ تُعَدُّ الرتابة المُدارة جيداً عاملاً أساسياً لخلق بيئة عملٍ آمنةٍ ومثمرةٍ وفعَّالة؛ والسر يكمن في التأكد أنَّ مستويات القيادة العديدة لا تُشعِر الموظفين بالعجز عن إحداث تغيير حقيقي.

يُطوِّر فريقي في شركة “كومكاست” (Comcast) التقنيات التي تُغنِي تجاربنا الترفيهية، والبرمجيات التي تدعم جميع منتجاتنا. وبصفتنا شركةً، فقد تطورنا إلى نقطةٍ حيث نقوم بإطلاق برمجياتٍ جديدةٍ عملياً كل يومٍ، وأحياناً مرات عدَّة في اليوم الواحد. يكفي القول إنَّ لا شيء من ذلك ينجح من دون فريقٍ كبيرٍ من التقنيين المُندفعِين والرِّياديين.

إنَّ مواصلة عمل يُحرِّكه الإبداع تتطلب العديد من الأشياء، مثل الأشخاص العظماء، والمنصات التقنية المرنة، والقادة الملتزمين، على سبيل المثال لا للحصر. غير أنَّ المكوِّن السرِّي الذي يُبقي كل شيءٍ متحرِّكاً بسرعة هو الاستقلال الذاتي.

إنَّ تركيزي الأساسي هو بناء ثقافة حيث نقوم بنقل الاستقلال الذاتي إلى الأفراد والفريق. عندما يبتكر مهندسٌ أو فريقٌ صغيرٌ من المهندسين فكرةً ما، فإنَّ عملي هو إزالة العوائق المؤسساتية التي تمنعهم من تحويلها إلى واقع.

إحدى أعظم الفوائد في هذه العملية هي التزامنا تطوير البرامج بتقنية “ديف أوبس” (DevOps). وبطرائق عدة، فإنَّ المبادئ التي تطبِّقها التقنية هذه على تطوير البرامج (المُلكية متكاملة، والمسؤولية، والأداء المستمر) هي المبادئ نفسها التي نسعى إلى تطبيقها على موظفينا جميعهم، بغضِّ النظر عمَّا إذا كانوا يبتكرون البرمجيات.

إنَّ كوننا نوظف مطوِّري “ديف أوبس”، فنحن نُسخِّر مُجمَّع مواهب لتحقيق السلاسة والاستقلال الذاتي الذي نسعى إلى تشجيعه. ولأنَّ فِرقنا الهندسية مُجهَّزة اعتماداً على مبادئ “ديف أوبس”، فإنَّ الكثير من الاستقلال الذاتي مضمون مسبقاً في النظام.

إذاً كيف نعزز الاستقلال الذاتي عند الموظفين؟

الاحتفاء بالفشل:

يوجد عنصر حاسم وأساسي لخلق فِرق فعَّالة ومستقلة، ألا وهو تعلُّم تجاوز الفشل بسلاسة؛ إذ يمكنك – بصفتك قائداً – أن تدعو فريقك إلى تبنِّي الاستقلال الذاتي بقدر ما تريد، ولكن إن شعر الأشخاص في فريقك بأنَّهم يُعاقَبون عندما يجربون شيئاً جديداً ويفشلون، فستبدو هذه الكلمات خاليةً من أيِّ معنى، ويمكنها أن تضرَّ أكثر من نفعها.

إذا كانت فِرقنا لا تتعرَّض للفشل بين الفينة والأخرى، فهي لا تقوم بالمخاطرة بما يكفي. وإن كان هذا الحال نتيجة عدم شعورها بأنَّها مُخوَّلة للقيام بذلك، فهي لن تقوم بإيصال المنتجات والتجارب القوية والمُغيِّرة للحياة التي نريد إيصالها إلى الزبائن. وكقادة، علينا المساعدة على إدارة المخاطرات من خلال مساعدة فِرقنا على القيام برهانات ذكية، ولكن يجب أن نكون راضين عندما لا تُوفَّق بعض هذه الرهانات.

إحدى الوسائل المستعملة في منهجيَّتنا هي “لوح الفشل”؛ إذ يُشجَّع أعضاء الفريق ويُحتفَل بهم لتوثيقهم ما لم ينجح على لوحٍ أبيض، والأكثر أهميةً، ما تعلَّموه. نحن لا نحتفل بالفشل؛ وإنَّما بما تعلمناه منه، وبقدرتنا على تصحيح مسارنا بسرعة عالية. ومن خلال جعله تجربة مشتركة، يستوعب أعضاء الفريق فكرة أنَّ الفشل ليس شيئاً مخيفاً؛ وإنَّما أداة للنمو.

تمييز النجاح:

إنَّ الأمر البديهي الذي يرافق تجاوز الفشل هو إدراك النجاح. بصفتك قائداً، إن أنت قمت بعملك واجتذبت أشخاصاً أذكياء ومُنظَّمين للعمل معك، فإنَّ العمل الحقيقي يكون قد بدأ توَّاً؛ فيجب أن يشعر هؤلاء الأشخاص بأهمية عملهم، وبأنَّ المجهود الهائل الذي يبذلونه فيه هو موضع تقدير واحترام.

بالتأكيد، ينجم جزءٌ كبيرٌ من ذلك من التأكد من أنَّ الفِرق تملك تحدياتٍ كبيرةً للعمل عليها، واستقلالاً ذاتياً لتطوِّر مقارباتها وحلولها الخاصة. ولكن في عالمنا حيث نقوم بنقل الاستقلال الذاتي إلى الأفراد ومستويات الفريق، عليك اتخاذ خطواتٍ لنقل التقدير والعرفان إلى المستوى نفسه أيضاً.

نحن نقوم بذلك داخلياً طبعاً، مع عدد من الأدوات والأساليب لإظهار إنجازات الفِرق والأفراد حين يحققون انتصاراتٍ كبيرة، ولكنَّني أظن أنَّه من الهام ألَّا يكون هذا التقدير داخلياً فحسب؛ إذ إنَّنا نريد لمُوظفينا الرياديين بناء علامتهم التجارية وتلقِّي التقدير العلني لإبداعهم.

ويمكن أن يكون ذلك بكل سهولة، من خلال عرض المهندسين الذين عملوا على المشاريع في مقابلات إعلامية، وكتابة المُدوَّنات حول الميزات والمنتجات الجديدة، بدلاً من نسب الفضل كله إلى القادة؛ إذ إنَّ لدينا مُدوَّنة تقنية حيث نشجع التقنيين على نشر أعمالهم، ولدينا أيضاً وسيلة عظيمة أخرى هي برنامجٌ ناطق فعَّال يشجع الموظفين على مشاركة عملهم في المؤتمرات والاجتماعات؛ إذ يمكنهم كسب التقدير من مجتمعهم التقاني الأوسع.

إن اتضح لي شيءٌ واحدٌ يخص مهنة ما، فهو أنَّ ريادة الأعمال يمكن أن تزدهر في أيِّ مكان؛ في الشركات حديثة المنشأ أو الكبرى على حدٍّ سواء، ما دام هناك قادةٌ وفِرقٌ تملك الإرادة والخطة لتحقيق ذلك.

المصدر


اكتشاف المزيد من موقع الربوح

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع الربوح

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading