لذا سنقدم في هذا المقال الرائع أهم النقاط التي وردت في هذا اللقاء الذي يمكن وصفه باللقاء التاريخي والفريد من نوعه، بطريقة مبسطة ومختصرة، بحيث تكون مفهومة بالنسبة إلى الجميع.
هل يمكن أن يحدث لقاء حقيقي بين الشرق والغرب؟
لطالما قيل إنَّ الشرق والغرب لا يلتقيان أبداً، فالشرق لطالما غرق في الروحانيات والطيبة والبساطة والعواطف والحكم وغيرها من القيم التي لطالما ميزت العصور القديمة، فيما أطل العصر الحديث عصر السرعة والتكنولوجيا والمال والأعمال والعلاقات الاقتصادية والدبلوماسية، آتياً بقيم جديدة ومختلفة تماماً مثل الكفاءة والدقة في العمل وامتلاك القدرة على تحقيق الذات، والغاية تبرر الوسيلة وغيرها من القيم التي لم تولِ الأخلاق المكانة الأهم؛ بل أصبحت الأخلاق أمراً نسبياً مع تقدم الفكر والوعي الإنساني.
فما يُعَدُّ أخلاقياً في مجتمع معين، قد يكون لا أخلاقياً في مجتمع آخر، وما يمكن أن تَعُدَّه أنت أمراً مفيداً بالنسبة إليك، قد يكون ضاراً بالنسبة إلى غيرك، ومن هنا توسعت مدارك الإنسان الحديث الفكرية بالتوازي وبالتزامن مع التطورات التقنية والصناعية والاقتصادية.
ما هو الفرق الجوهري بين الشرق والغرب؟
بينما جرى الغرب مع تيار التقنية وقام بتغذيتها ووضع كل طاقاته المالية والبشرية في الأبحاث والعلوم والمختبرات والتجارب، وبنى النجاحات لبنة فوق لبنة، بقي الشرق نوعاً ما متقوقعاً على ذاته وبطيء التقدم، ولم يستطع أن يجاري الغرب في مجالات التطور التقني والتعليمي والصناعي؛ والسبب في ذلك حسب ما يقول الكثير من الباحثين هو انغلاق الفكر الشرقي أمام الأفكار الجديدة، ونشر ثقافة الخوف منها من خلال شيطنتها وإلصاق الكثير من التهم بها، والإصرار على التمسك بعادات وثقافة الأجداد بطريقة عاطفية بعيدة نوعاً ما عن المنطق، بشكل لا يراعي كمية ونوعية الاختلافات والتغيرات التي طرأت على حياتهم مقارنة بحياة أجدادهم.
هل يمكن أن نقيس الشرق وفق معايير الغرب؟
من جهة أخرى، يرى بعض الباحثين أنَّ لكل شعب خصوصية وثقافة وعقلية وطريقة حياة يجب احترامها وعدم التدخل بها، ويرفضون عَدَّ الغرب معياراً للحضارة والتقدم، وحجتهم في ذلك أنَّ التطور التقني ليس المعيار الوحيد في الحياة، فتوجد العلاقات الاجتماعية والروحية التي تكون قوية في الشرق وضعيفة نوعاً ما في دول الغرب، والتي يقضي فيها المسنون حياتهم وحيدين سواء في المنزل أم في دار العجزة، فيما تندر هذه الحالات بشكل كبير في الشرق الذي ينعم بحياة اجتماعية فيها الكثير من التلاحم والمودة والتكافل الاجتماعي، ومن النادر جداً أن ترى مسناً يعيش وحده؛ بل على العكس ترى الأبناء والبنات لا يتركون أهلهم سواء في أوقات المرض أم حتى في الأوقات العادية.
كيف نظر طاغور إلى وحدة الوجود؟
قبل الدخول في تفاصيل الحوار، لا بد لنا أن نأخذ لمحة مختصرة عن أهم أفكار هذين الرجلين؛ فقد كان طاغور صاحب نزعة صوفية واضحة، تجلت في مظهره الخارجي كما هي متجلية في أحاديثه ونظرته إلى الكون والوعي والوجود، فقد كان يعتقد بوحدة الوجود؛ أي إنَّ الإنسان والحيوان والنبات كلهم عبارة عن وحدة متكاملة لا يمكن تجزئتها، وكذلك الجمادات عَدَّها جزءاً من وحدة الوجود، وكل عناصر هذا الكون هي عبارة عن تجسيد لروح الله.
ما هي أنواع الحقائق من وجهة نظر طاغور؟
لقد آمن طاغور بوجود حقيقة واحدة كبرى في الوجود، وهذه الحقيقة لا تعني توقف الإنسان عن التعرف إلى الحقائق العلمية التي عَدَّها حقائق جزئية ولكنَّها ضرورية على طريق الوصول إلى حقيقة اتحاد الطبيعة مع روح الله؛ إذ ميز طاغور بين نوعين من الحقائق؛ النوع الأول هو حقيقة واقعية جزئية لها علاقة بالمحسوسات الموجودة على سطح الكوكب، والنوع الثاني هو الحقيقة الكلية أو المطلقة التي لها علاقة بالوجود ككل.
ما هو الوعي من وجهة نظر طاغور؟
لقد عَدَّ طاغور الوعي أساساً للحقيقة؛ إذ إنَّ الحقائق تحتاج إلى وعي من أجل إدراكها، وهذا الوعي الإنساني هو عبارة عن جزء من الوعي الكلي، والعقل الإنساني هو جزء من العقل الكلي الذي يحكم الوجود ويحكم النظام الكوني برمته، ودعا إلى تشغيل أدوات الوعي الإنساني كأفضل طريقة للوصول إلى معرفة الوعي الكلي الذي يتجلى في هذا الوجود.
الجدال الفلسفي الرائع بين طاغور و”ألبرت أينشتاين” عن ارتباط الوعي بالوعي الإنساني:
ركَّزَ طاغور في خضم حواره مع “ألبرت أينشتاين” على فكرة أنَّ الوجود أو الكون ما كان ليوجد لولا وجود الإنسان والوعي الإنساني، فإذا كانت كل العلوم بشرية وكل المشاعر والإبداعات والاختراعات بشرية، فهي بالضرورة متعلقة بالوعي البشري أو الإنساني، وحتى الجمادات لا يتم إدراكها إلا من خلال هذا الوعي وعِبَره.
فيما يرى “أينشتاين” أنَّ عدم القدرة على إدراك عناصر الوجود إلا من خلال الوعي البشري، ليس سبباً كافياً لعدم وجود الكون إلا من خلال هذا الوعي، كما أنَّ حتمية إدراك القوانين الرياضية أو الفيزيائية من خلال وعي الإنسان، لا تعني حتمية ارتباطها الكامل به، أو غيابها في حال غيابه؛ إذ يرى “أينشتاين” أنَّ القوانين الفيزيائية والكيميائية والرياضية التي تنظم كل تفاعلات وعمليات النظام الكوني موجودة سواء وُجد الإنسان أم لم يوجد، واكتشافها سبب هام في تطور الإنسان وتقدمه.
هل ناقض “ألبرت أينشتاين” وجهة نظر طاغور بشكل كامل؟
قد لا تكون نظرة “أينشتاين” متناقضة لنظرة طاغور، ولكنَّها من منظور آخر، فلم ينكر “أينشتاين” وجود الله وآمن به، لكن على طريقة الفيلسوف “سبينوزا”، ولم يفصل “أينشتاين” بين الله والطبيعة؛ بل كانا بالنسبة إليه مندمجين إلى حدٍّ كبير.
شاهد بالفديو: 6 مفاتيح أساسية للتواصل بشكل فعّال مع الآخرين
ما هي الحقيقة من وجهة نظر “ألبرت أينشتاين”؟
لقد كانت الحقيقة بالنسبة إلى “ألبرت أينشتاين” هي الحقيقة الواقعية المحكومة بالعمليات العقلية والقوانين الرياضية والفيزيائية التي نستطيع ملاحظتها وتجربتها وتطبيقها والشعور بنتائجها، وهذا التفكير ليس غريباً عن “ألبرت أينشتاين” بحكم خلفيته العلمية.
لقد نظر “أينشتاين” إلى الحقيقة بِوصفها الأمر الذي يمكن إثباته والتحقق منه بالطرائق العلمية أو المنطقية، وشدد على هذه الطرائق وحصريتها في بناء واقع ملموس ومفيد، وعَدَّ حاجة الإنسان إلى الوهم أو الغيب حقاً مشروعاً للإنسان، لكن بشرط ألا يجبر من حوله بما يعتقد، ويترك لغيره حرية الاعتقاد بما يريحه من حقائق أو بما يَعُدُّها حقائق على ضوء ما يتوفر لديه من وعي أو أدوات عقلية ومنطقية.
ما هي أنواع الوعي من وجهة نظر “ألبرت أينشتاين”؟
لقد قسم “أينشتاين” الوعي عند الإنسان إلى نوعين أساسيين؛ النوع الأول روحي يتعلق بالذائقة الفنية والاستمتاع بالموسيقى، وممارسة اليوغا، وأداء الصلوات والتجارب الروحية المختلفة، أما النوع الثاني، فهو أساليب البحث العلمي من ملاحظة وتجريب وغيرها من الوسائل الحسية التي تعتمد على القوانين الفيزيائية والرياضية، وتتبع لمبادئ منطقية واضحة مثل السبب والنتيجة.
علاقة الكون بالوعي بين “ألبرت أينشتاين” وطاغور:
لقد كان “أينشتاين” ينظر إلى الكون بطريقة تختلف نوعاً ما عن نظرة طاغور؛ إذ عَدَّ وجود الكون أمراً مستقلاً تماماً عن الإنسان أو عن وعيه؛ أي إنَّه موجود بصرف النظر عن وجود وعي أو عدم وجود وعي، ومتجسد في نظامه وتفاصيله وبيئاته المختلفة والمتنوعة سواء بوجود الإنسان أم دون وجوده، على عكس طاغور الذي عَدَّ وجود الكون أمراً مرتبطاً بوجود الوعي.
يرى “أينشتاين” أنَّ وجود الوعي يمكن عَدُّه بشكل أو بآخر نتيجة لوجود الكون أو أثراً جانبياً ناجماً عن وجود الكون وتفاعل مكوناته مع بعضها بعضاً، فقد أدى هذا التفاعل إلى تطور في الكائنات أو تغير في طبيعتها استجابة للظروف والمتغيرات الداخلية والخارجية؛ وهذا أدى إلى تطور الوعي إلى شكله الحالي بالتوازي مع تطور الإنسان عموماً.
يقول طاغور: كما أنَّ الذرة في العلم مكونة من بروتونات وإلكترونات تسير ضمن مدارات متباعدة عن بعضها، وتنشأ بينها قوى تجاذب وتنافر، فهكذا هو الوجود يوجد فيه الكثير من العناصر التي تتفاعل مع بعضها بعضاً مؤديةً إلى توازن النظام الكوني ومن أهمها الوعي والوجود.
في الختام:
يمكن أن نختم مقالنا هذا بالعبرة الأهم التي يمكن أن نستخلصها من هذا اللقاء التاريخي، وهي ضرورة وجود حوار بين الثقافات والحضارات وأصحاب الآراء ووجهات النظر، ويجب زرع هذه الثقافة بين البشر سواء بين مجتمع وآخر أم حتى داخل المجتمع نفسه، مع التشجيع على تقبُّل الطرف الآخر، والابتعاد عن الاعتقاد بأنَّنا وحدنا نملك الحقيقة المطلقة والرأي الصائب؛ لأنَّ ذلك يوسع الفجوة بين الحضارات والدول، وكذلك بين أبناء الوطن الواحد؛ وهذا يعوق عملية التواصل الإنساني والاجتماعي والثقافي والحضاري؛ وهذا بدوره يحول دون التقدم والازدهار ويعرقل عملية حل المشكلات؛ لا بل يزيد منها ويختلق مشكلات جديدة لم تكن موجودة من قبل.
المصادر: 1، 2
اكتشاف المزيد من موقع الربوح
اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.