الولادة والنشأة والتحصيل العلمي للطبيبة اناندي جوبال:

وُلِدَت “أناندي جوبال” في 13 من شهر مارس في عام 1865 ميلادي في بلدة “كاليان” التي تقع بالقرب من مدينة “مومباي” في “الهند”، وكان اسمها الأصلي “يامونا”، وهي تنتمي لأحد العائلات الغنية والتي كانت من أصحاب الأراضي الواسعة قبل أن تتدهور حالتهم الاقتصادية.

ووفقاً لعادات البراهمة الهندوس كان يجب على الفتاة أن تتزوج قبل البلوغ، وبسبب تردي الوضع المالي لعائلتها، ولأنَّهم كانوا لا يملكون مالاً كافياً يدفعونه مهراً لعريس، تمَّ تزويجها وهي في عمر التاسعة لرجلٍ أرمل يدعى “جوبالراو جوشي” يكبرها بعشرين عاماً؛ حيث اشترطوا عليه أن يعلِّمها، فهو كان من الداعين لتعليم البنات، وتزويج الأرامل، فقد كان رجلاً تقدُّمياً، وغيَّرَ اسمها ليصبح “أناندي”.

كان زوج “أناندي” يعمل كاتباً في بريد بلدة “كاليان”، ثمَّ تمَّ نقله بعد ذلك للعمل في “علي باغ”، وبعدها إلى “كولكاتا”، ثمَّ حملَت “أناندي” وهي في سن الرابعة عشر من العمر، وأنجبَت صبياً، ولكن لم يُكتَب لطفلها الحياة أكثر من عشرة أيام ثمَّ توفي بسبب قلة الرعاية الطبية آنذاك؛ حيث لم يكن هناك أطباء نساء، وكانت الأعراف والتقاليد السائدة في ذلك الوقت تمنع الأطفال والنساء من المعاينة عند الأطباء الرجال.

كان هذا ما حفز حلمها بأن تصبح طبيبةً، ولكنَّ “أناندي” لم تكن تعرف سوى القليل فقط من الأناشيد وآيات الكتب المقدسة لديهم، ولم يتمكن زوجها من تسجيلها في إحدى المدارس التبشيرية، وعند انتقالهم إلى “كولكاتا” بدأَت بتعلُّم اللغتين الإنكليزية والسنسكريتية؛ وبالفعل أتقنَتهما كتابةً وحديثاً؛ مما أتاح لها تحديد هدفها بالتوجه نحو التعليم العالي.

كان زوج “أناندي” يشجعها على دراسة الطب؛ حيث أرسل رسالة إلى المبشر الأمريكي المعروف “رويال وايلدر” شرح فيها عن رغبة زوجته في دراسة الطب في الولايات المتحدة الأمريكية، وعن رغبته في الحصول على وظيفة مناسبة له هناك، وكان ذلك في عام 1880 ميلادي، وبعث “وايلدر” هذه المراسلات إلى “ثيوديسيا كاربنتر” وهي من سكان “روزيل” في ولاية “نيوجرسي” الأمريكية، وقد أُعجِبَت جداً بطموح “أناندي” وبدعم زوجها لها، فقررَت مساندتها وتقديم الدعم لها.

اقترح طبيبٌ يدعى “ثوربون” أن تقدِّم “أناندي” طلباً للدراسة في جامعة “دريكسيل كلية الطب” في “بنسلفانيا”، وبالفعل قُبِل طلبها، وقامت “كاربنتر” باستضافتها خلال إقامتها في الولايات المتحدة الأمريكية، وأصبحَت العلاقة بين “أناندي” و”ثيوديسيا” قويةً جداً لدرجة أنَّ “أناندي” أصبحَت تناديها “عمة”.

ولكن قبل سفر “أناندي” إلى الولايات المتحدة الأمريكية وخلال وجودها هي وزوجها في “كالكتا” كانت صحة “جوبال” تتراجع، فقد عانت الكثير من الصداع المستمر والضعف والحمى، وفي بعض الأوقات كانت تعاني من ضيق التنفس، فقامت “ثيوديسيا” بإرسال الأدوية لها، لكن للأسف لم يكن هناك أي تحسُّنٍ ملحوظ في حالة “أناندي”.

وفي عام 1883 ميلادي نُقِلَ عمل “جوبالراو” إلى “سيرامبور”، وقرر دعم “أناندي” وتشجيعها على السفر وحدها لدراسة الطب في الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من الانتقادات الكثيرة التي وُجِّهَت لهما من قِبل الأهل والجيران خاصةً والمجتمع الهندي عامةً، لدرجة أنَّها كانت تُقذَف هي وزوجها بالحجارة وروث الأبقار أحياناً، وعلى الرغم من كل ذلك ساند “جوبالراو” زوجته وأقنعها بأن تكون قدوةً لباقي نساء الهند.

قبل سفرها طلباً للعلم خاطبَت “أناندي” المجتمع الهندي في كليَّة “سيرامبور”؛ حيث أكدَت ضرورة وجود طبيبات في الهند، وأنَّ النساء الهندوسيات قادرات على أن يعملن في هذه المهنة، وناقشَت الانتقادات والتهجم الذي تعرَّضَت له هي وزوجها، ولقي خطابها قبولاً كبيراً في الأوساط الهندية، وبالفعل في 17 من شهر أبريل من عام 1883 ميلادي، سافرَت “أناندي” وحدها إلى الولايات المتحدة الأمريكية.

بدأَت تدريبها في كلية الطب وهي في عمر الـ 19 عاماً، ولكن بسبب اختلاف الجو بين أمريكا والهند فقد كان الطقس شديد البرودة هناك والنظام الغذائي مغايراً تماماً لنظامها في الهند؛ حيث ساءت حالة “أناندي” الصحية، وأُصيبَت بالسل الرئوي، ولكنَّها لم تيأس وتابعَت تعليمها، وتخرَّجَت بدرجة دكتوراه في الطب وكان ذلك في عام 1886 ميلادي، وكانت رسالة تخرُّجها تحمل عنوان “التوليد بين الهندوس الآريين”.

وخلال حفل التخرج أعلن عميد الكليَّة أنَّ “أناندي جوبال” هي أول امرأة هندية تحصل على شهادة جامعية في الطب، كما حضرَت حفل التخرج الناشطة الهندية المدافعة عن حقوق المرأة والمؤسِّسة لمجموعة من المنظمات النسوية في الهند “بانديتا رامباي”، وبعثَت الملكة “فيكتوريا” رسالة تهنئة لها، وعادت “أناندي” مع زوجها إلى الهند في أواخر عام 1886 ميلادي، وعُيِّنَت كطبيبة مسؤولة عن جناح النساء في مستشفى “ألبرت إدوارد” المحلي في ولاية “كولهابور” الهندية.

وفاة “أناندي جوبال”:

توفيت “أناندي جوبال” إثر إصابتها بمرض السل الرئوي وذلك في 26 فبراير من العام 1887 ميلادي، ولم تكن قد تجاوزَت الـ 22 عاماً، وقد حزن المجتمع الهندي بأكمله على موتها، وأُرسِلَ رمادها إلى مَن ساندَتها واحتضنَتها خلال فترة دراستها في أمريكا “ثيوديسيا كاربنتر” والتي قامت بوضع الرماد في مقبرة عائلتها “مقبرة بوكيبسي الريفية” في ولاية “نيويورك”.

تكريم وإحياء ذكرى “أناندي جوبال” بعد وفاتها:

  1. صُوِّر فيلم عن حياة “أناندي” يحمل عنوان “أناندي جوبال” وذلك في عام 2019 ميلادي.
  2. احتفلَت “غوغل” بالذكرى الـ 153 ميلادي لميلاد “أناندي”؛ وذلك برسم شعار “غوغل دودل”، وذلك في 31 من شهر مارس في عام 2018 ميلادي.
  3. أُنشِئَت زمالة باسمها للشابات العاملات في مجال صحة المرأة، وذلك من قِبل حكومة ولاية “ماهاراشترا”.
  4. مُنِحَت “جائزة أناندي جوبال جوشي للطب” تكريماً لمساهمتها المبكرة في قضية تقديم العلوم الطبية في الهند، وذلك من قِبل معهد البحث والتوثيق في العلوم الاجتماعية وهو منظمة غير حكومية.
  5. سُمِّيَت فوهة بركان في كوكب الزُهرة على اسمها “جوشي” تكريماً لها، ويبلغ قطر هذه الفوهة 34.3 كم.
  6. كتب الدكتور “أنجالي كيرتان” كتاباً يروي حياة “أناندي” باللغة الماراثية، ويحمل الكتاب عنوان “دكتور أناندي جوبال جوشي الوقت والأفعال” ويتضمن الكتاب صوراً نادرة لـ “أناندي”.
  7. كتبَت الكاتبة الأمريكية النسوية “كارولين هيلي دال” السيرة الذاتية لـ “أناندي جوبال”، ومن الجدير بالذكر هنا أنَّ “كارولين” كانت قد تعرَّفت إلى “أناندي” وأُعجِبَت بشخصيتها وطموحها كثيراً.

وبذلك نكون قد قدَّمنا لكم قصة نجاح “أناندي جوبال” أول طبيبة هندية.

المصدر


اكتشاف المزيد من موقع الربوح

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع الربوح

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading