طريق النجاح

أسطورة الموسيقى باخ


لقد واكبت هذه الموسيقى الفترة التي ظهر فيها نوع من أنواع الهندسة المعمارية المزخرفة التي كانت تسمى هندسة الباروك، وقد نهضت الموسيقى في عصر الباروك نهضةً كبيرةً على يد أشهر المؤلفين الموسيقيين أمثال “باخ” و”هاندل” و”كوريلي” و”فيفالدي” وغيرهم الكثير، وفي مقالنا هذا سوف نلقي الضوء على الموسيقي العظيم “باخ” وسنتحدث عن حياته وأهم المنعطفات التي مر بها في أثناء كتابته أعماله وأهم أعماله الشهيرة.

التعريف بالموسيقي “باخ”:

هو الألماني “يوهان سباستيان باخ”، ويُعَدُّ من أهم عازفي الأورغن في عصره وفي التاريخ، وولد في عام 1685 في بلدة تدعى “إيزناخ” وتوفي في عام 1750 في بلدة تدعى “لايبزيغ” في ألمانيا، ويلقب بـ “باخ”، وقد عاش “باخ” في أسرة موسيقية فقد كان والده “يوهان إمبروزيس” عازفاً على الكمان، فعلمه العزف وتلقى دروسه الأولى على يده، وأخوه “يوهان كريستوف” عازفاً على الأورغن، ويقال إنَّ والدته توفيت وهو صغير فقد كان في الثامنة من عمره، وبعد مضي أشهر توفي والده ليبقى يتيماً، فانتقل للعيش مع أخيه “يوهان كريستوف” وتابع تعلُّم الموسيقى معه، فزوده بالأسس الموسيقية ووضعه في مدرسة محلية ليتمكن من متابعة تعليمه.

“باخ” وحياته الشخصية:

تزوج “باخ” من ابنة عمه التي أنجبت له سبعة أطفال لكن توفي معظمهم، وفي عام 1720 توفيت زوجته وقد كان مسافراً، وما إن مضى عام على وفاتها حتى تزوج من مغنية أنجبت له ثلاثة عشر طفلاً، وكان “باخ” يحب عائلته ويحب أن يشاركهم الموسيقى فأصبح اثنان من أولاده مؤلفين موسيقيين.

“باخ” ومسيرته الموسيقية:

كان “باخ” يمتلك صوتاً من طبقة السوبرانو، وهذا أهله ليكون مغنياً، لكن تغير صوته تغيراً سريعاً منعه من الاستمرار في الغناء، فتم نقله بوصفه عازفاً على الكمان، وشارك في العزف على آلة الكمان في أوركسترا “الدوق فايمار” ولكنَّه لم يبقَ سوى أشهر عدة لينتقل إلى كنيسة “أرنتات” بوصفه عازف أورغن، وبدأ بكتابة مؤلفاته الدينية، ثم انتقل بعد ذلك إلى مدينة “مولهاوزن” ليعزف في كنيستها، ثم عاد إلى “فايمار” لتظهر شهرته في أعماله للأورغن مثل “المغناة” (التوكاتا) “الفوغا” (الشلل).

لمع اسم “باخ” بصفته عازفاً على الأورغن أكثر من كونه ملحناً، فقد نسخ العديد من المؤلفات الموسيقية بسبب عدم توفرها، وهذا انعكس سلباً على بصره مع مرور الوقت.

“باخ” وإنجازاته:

لقد كانت مقطوعات “باخ” مميزةً فيها الكثير من المشاعر المختلطة، كما أنَّه تميز بقص القصص في معظم مقطوعاته، وكانت موسيقاه خليطاً من أنحاء أوروبا، وتجسد أسلوب “باخ” بعزف العديد من المقطوعات مع بعضها بعضاً، واعتمد على تكرار اللحن ذاته مع تغيير بسيط في الفوغا، وهذا ما جعل مقطوعاته الموسيقية فيها الكثير من التفاصيل.

يُعَدُّ “باخ” في حقبته من أهم الملحنين وواحداً من أشهر أعلام الموسيقى الكلاسيكية، وبسبب احترافه ومهارته المميزة في العزف أصبح عازفاً للأورغن في كنيسة “آرنشتادت”، فقد كان يعطي الدروس الموسيقية فيها وينظم المراسم والمناسبات الدينية، وفي عام 1705 استطاع الحصول على إجازة من الكنيسة ليتمكن من السفر إلى “لوبيك” والاستماع لـ (Dietrich Buxtehude) الذي كان عازف أورغن ذائع الصيت.

في عام 1707 انتقل إلى “مولهاوزن” ليكون عازف الأورغن في كنيسة “القديس بليس”، وفي هذه الفترة ألَّف العديد من المقطوعات التي اتسمت بالتعقيد، الأمر الذي تعارض مع قس الكنيسة الذي كان يرى أنَّ موسيقى الكنيسة يجب أن تتسم بالبساطة، وبعد نحو عام تم تعيينه في بلاط الدوق في “فايمار” بصفته عازفاً على الأورغن، وفي هذه الفترة كتب “باخ” العديد من المؤلفات التابعة للكنيسة، وحصل على خاتم مصنوع من الألماس في عام 1714 من قِبل الأمير “فريديريك” أمير السويد، وذلك بعد أن أذهله أداؤه.

في أواخر عام 1717 قام أمير “كوتن” بعرض عمل على “باخ” وقَبِل “باخ” بهذا العرض، إلا أنَّ الدوق لم يرغب بأن يتخلى عنه فقام بحبسه ثم بعد فترة قصيرة أفرج عنه، ليبدأ “باخ” عمله الجديد لدى الأمير “ليوبولد” في “كوتن” بصفته عازفاً على الكمان، وفي هذه الفترة ألَّف الكثير من أعماله على الآلات الموسيقية، إضافة إلى ألحان راقصة بالعزف الجماعي.

عمل أيضاً على كتابة العديد من المقطوعات للآلات المنفردة، لكن كان من أعظم وأروع ما ألفه تلك التي كانت تخص الكمان والتي لاقت شهرةً مع الأيام، ولقد كان “باخ” متعمقاً في الدين وظهر ذلك في ألحانه الخاصة بالكنيسة.

ألَّف “باخ” كتاب (The Well-Tempered Clavier) جمع فيه مقطوعات موسيقية كان هدفه منها تعليم طلابه العزف الموسيقي بالطرائق الصحيحة، لينتقل بعد ذلك إلى كنيسة “القديس توماس” بوصفه عازفاً ومدرساً، وفي هذه المرحلة ألَّف “باخ” مجموعةً من ست مقطوعات أطلق عليها اسم (Christmas Oratorio) التي تجسد روح الأعياد، ثم قام بتأليف مجموعة أخرى أطلق عليها اسم (Passion) وهذه المجموعة كان قد استوحاها من تفسيره لموسيقى الإنجيل وكان أشهرها (Passion According to St. Matthew)، وتُعَدُّ مقطوعة (Mass in B minor) من أفضل أعماله الدينية.

رحيل “باخ”:

في بداية عام 1740 بدأت مشكلات “باخ” الصحية بالظهور لتكن أولها معاناته مع نظره، فقد تعرَّض لمشكلات في الرؤية التي لم تنعكس على عمله، فقد تابع عمله وسافر وقدَّم عدداً من العروض الموسيقية، وفي عام 1747 قدَّم “باخ” عرضاً موسيقياً أمام الملك “فريديريك”، وفي عام 1749 بدأ “باخ” بكتابة عمل جديد أطلق عليه اسم (The Art of Fugue)، إلا أنَّه لم يستطع أن يكمل هذا العمل نتيجة إصابته بالعمى الكلي بعد قيامه بإجراء عملية لتصحيح بصره، ولكنَّها لم تتكلل بالنجاح فقد أفقدته بصره، وفي عام 1750 أصابته أزمة قلبية كانت السبب في وفاته.

أشهر أعمال “باخ”:

  1. (Actus Tragicus).
  2. (Toccata and Fugue in D Minor).
  3. (Herz und Mund und Tat).
  4. تُعَدُّ (Brandenburg Concertos) من أروع أعماله وأعظمها، وهي مجوعة حفلات للأوركسترا يمدح من خلالها دوق “براندنبورغ”.
  5. (The Well-Tempered Clavier): تُعَدُّ هذه مجموعة من الأعمال مؤلفة من 48 عملاً وهي فوغات ومقدمات لجميع مفاتيح المينور والماجور، وقد قام بكتابتها بصفتها وسيلة لتعليم طلابه.
  6. مجموعة “تشيلو سويت”: تُعَدُّ هذه المجموعة من أكثر المؤلفات صعوبةً على العازفين، فهي مكتوبة لآلة التشيللو لتظهر هذه الآلة وكأنَّها أوركيسترا في أثناء العزف.
  7. (Chaconne, Partita No): من أروع المقطوعات للكمان، ويقال إنَّ “باخ” ألفها عندما عاد من سفره ووجد زوجته وأم أطفاله قد فارقت الحياة، فقد تضمنت الكثير من المشاعر والأفكار العميقة وكأنَّها نابعة من داخله وتعبر عن حالته وحزنه.
  8. “بدينيري” (Badinerie): موسيقى راقصة استوحاها “باخ” من الرقصة التقليدية الفرنسية، وتتصف بالحيوية والمرح، وقد تعلق في الذهن لأيام عدة عند الاستماع لها.
  9. منوعات “جولدبيرج”: قام بكتابتها “باخ” لآلة (harpsichord)، وتحتوي على تراكيب عدة وإيقاعات متناغمة ومختلفة، فبعد مدة من العزف يعود “باخ” إلى اللحن الأول من جديد، ولكنَّك تسمعه بطريقة مختلفة عن استماعك له في بداية الأمر ليظهر إبداعه وتفننه.
  10. “كونشيرتات برندنبورغ”: في عام 1721 أبدع “باخ” في الأوركسترا، فقد ألف مجموعة “كونشيرتو” من نوع “غروسو” التي كانت منتشرة في عصر الباروك انتشاراً كبيراً، فقدمها في ذلك الوقت لقائد عسكري.
  11. الفوغا الصغيرة: تُعَدُّ الفوغا الصغيرة التي كتبها “باخ” لآلة الأورغن من أشهر أعمال الفوغا التي كان قد كتبها.
  12. هيام (عشق) ماثيوس: تُعَدُّ هذه المجموعة التي أطلق عليها “باخ” اسم (Passion) من أعظم ما ألفه “باخ”، وتُعَدُّ من أطول مؤلفات “باخ”؛ إذ يستمر العزف فيها ثلاث ساعات وتتألف من جزئين، وهي مأخوذة من تفسير الإنجيل “متى”، وقد أدخل “باخ” عليها كلمات لأهم شعراء عصره، وهي تجسد آلام المسيح وصلبه ودفنه.
  13. فن الفوغا (The Art of Fugue): هي آخر ما كتبه “باخ” ولم يتمكن من إتمامها بسبب وفاته، وفي أثناء عزفها يقوم العازفون بالتوقف عن العزف بشكل مفاجئ لتكون إشارة لانتهاء حياة “باخ” وعصر الباروك بنفس الوقت.

كان “باخ” منسياً لولا أن يقوم بعض الموسيقيين بعزف مقطوعاته أمثال “بتهوفن” و”موزارت” و”مندلسون”، ففي عام 1829 قام “مندلسون” بعزف إحدى مقطوعات “باخ” في حفل بألمانيا، وبعد هذا الحفل بدأت عمليات البحث عن أعماله، ليظهر للعالم الأسطورة والمبدع والمؤلف “باخ” بمؤلفاته وأعماله لا بصفته عازف أورغن فقط.

من أقوال “باخ”:

“لقد عملت بجد، وإنَّ أي شخص يعمل بجد كما عملت أنا سيحقق نفس النتائج”.

في الختام:

لقد تحدَّثنا عن “باخ” الأسطورة الذي كان قد يكون منسياً لولا أنَّ “مندلسون” قام بإعادة إحياء مقطوعة (Passion) ولفت النظر للبحث في أعماله والتعمق بها لنجدها إرثاً لا يُقدَّر بثمن أغنت الموسيقى وألهمت المؤلفين من بعده في أعمالهم، كما وتناولنا الحديث عن حياته العائلية وأهم المنعطفات التي مر بها في أثناء كتابته لمؤلفاته، وتحدَّثنا عن أشهر أعماله خلال مسيرته الفنية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى