قصة نجاح “سليمان الراجحي” تستحق أن تكون منهجاً في السعي ومطاردة الأحلام والإمساك بها، كما تستحق أن تُؤرَّخ بماء الذهب لتكون دليلاً على عجز الأشواك عن قطع الطريق مهما بلغت قساوتها، ولكل مَن لا يعرف قصة نجاح “سليمان الراجحي”، يسعدنا أن تكون صفحات موقعنا هي من تقدِّم له هذه الشخصية الاستثنائية، في العرض الآتي.

مَن هو سليمان الراجحي؟

ولادة ونشأة سليمان الراجحي:

وُلِدَ “سليمان بن عبد العزيز الراجحي” بتاريخ 30 كانون الأول/ نوفمبر عام 1928، في منطقة “البكرية” أو “البقرية”، وهي إحدى المناطق الإدارية التابعة لمنطقة “القصيم” في المملكة العربية السعودية، وكان ترتيب سليمان الثالث بين أشقائه الأربعة، الذين ولدوا في أسرة عانت الفقر والعوز.

انتقل جزء من أسرة الراجحي إلى الرياض، وتحديداً الأب، وولداه “صالح” و”عبد الله”، وفي عام 1937 عاد الأب إلى “البكرية” ليصطحب بقية أفراد العائلة، وأسَّس “سليمان الراجحي” أسرته الخاصة قبل أن يبلغ العشرين من عمره.

تعليم سليمان الراجحي:

لم يكن تعليم سليمان الراجحي أكاديمياً؛ بل كان يُفضِّل تلقي معارفه من الحياة العملية وخبراتها، فهو لم يلتحق بمدارس أو مؤسسات تعليمية رسمية، مع أنَّه بدأ دراسته في الرياض، لكنَّه لم يتابعها، فقد منذ نعومة أظفاره يميل إلى التجارة والعمل، ومارس أعمالاً كثيرة أضافت له رصيداً لا يُحصى من الخبرات، فقد عمل حارساً وعتَّالاً للبضائع في الأسواق، وهذا ما كان نقطة فارقة في مسيرته، فالجميع يشير إلى سليمان الراجحي بعبارة “الملياردير الذي كان يعمل حمَّالاً”، ولم تكن هذه المهنة الوحيدة التي عمل بها، فهو قد عمل في جمع الحطب، والبناء، وكثير كثير من الأعمال والمهن التي أكسبته خبرات حياتية وفنون التعامل مع مختلف فئات البشر، فكان هذا علمه الذي انتفع به في حياته.

الطريق إلى التجارة:

عُرِف “سليمان الراجحي” بحبه للتجارة، وكان يمتلك في شخصيته مقومات تؤهله لخوض هذا المجال، فقد كان صاحب عزيمة وهمة قويتين، لا يتوانى عن المحاولة والتعلم والاتعاظ من تجارب الآخرين.

اكتشف “الراجحي” شغفه في التجارة وهو ابن عشرة أعوم بالمصادفة؛ إذ لاحظ وجود نساء يفترشن الأرض في زوايا قصر الحكم بالرياض ويبعن الزبدة، فاستوحى منهنَّ فكرة التجارة، واتَّخذ إحدى زوايا القصر للقيام بنشاط تجاري خاص به يختلف عمَّا يقوم به الآخرون، فبدأ ببيع صفيحة الكيروسين من خلال قارورة فارغة جعلها معيار البيع، وجنى بذلك أرباحاً متواضعة كقرش أو قرشين، ثمَّ بدأ ببيع الحلوى إلى جانب الكيروسين لتوسيع تجارته، ومن أنواع التجارة التي جرَّبها الراجحي تجارة روث الإبل الذي يُستخدم في التدفئة والطهو.

افتتح “سليمان الراجحي” في عام 1943 متجراً صغيراً في “حي المربع” على الطريق الرئيس، وباع بضاعة تباع عادة في البحرين، مثل الشاي والسكر والحلويات والكبريت، واستمر في العمل ضمن هذا المحل حتى باعه لدفع تكاليف زواجه حين انتقل إلى جدة عام 1945.

انتقل الراجحي إلى مدينة جدة ليبدأ العمل في أعمال شقيقه صالح الذي يكبره، وليتولَّى مسؤولية النشاط التجاري المُتعلِّق بالصرافة في مكة المكرمة وجدة، وفي وقت لاحق أسَّس الأخوان وكالة للصرافة مخصَّصة للاستخدام من قبل الحجاج القادمين إلى مكة المكرمة، وانضم الأخوان “محمد” و”عبد الله” إلى “سليمان” و”صالح” بعد عدة سنوات.

في أثناء شراكة سليمان الراجحي مع أخيه صالح، تولَّى سليمان مهمة حمل الطرود والودائع على ظهره من وإلى المطارات لعشرات الكيلومترات، وبذل جهداً كبيراً من أجل توفير أجور النقل وتكاليف الحمالين، وفي الوقت ذاته تداول الراجحي في مواد البناء والأقمشة، وعندما تنامى عمله وبدأ بحصد الأرباح عمد إلى استئجار متجر صغير في “جدة” يقع تحت مسجد “عكاشة”.

استمر بالعمل مع أخيه صالح على التوازي مع عمله لمدة أحد عشر عاماً، ثمَّ اتفقا على تحويل متجر سليمان إلى شراكة بينهما، وبعد ذلك توجَّه سليمان الراجحي إلى عالم العقارات، وبدأ يوسِّع نشاطه فيه، ممَّا سمح لكل فرد من أفراد الشراكة بالتركيز على الأعمال الخاصة به.

بدأ في عام 1972 اسم “سليمان الراجحي” باللمعان؛ إذ بدأ نشاطه الذي سمَّاه “مؤسسة سليمان الراجحي” بالتوسع، وافتتاح الفروع التابعة له في مدينة جدة ومدن أخرى غير الرياض، حرصاً منه على الحفاظ على عمل شقيقه صالح، وإلى جانب توسُّع مؤسسة سليمان الراجحي، فإنَّ نشاطه في قطاع العقارات قد توسَّع أيضاً، وكذلك البنك، وحصد سليمان إعجاب كثير من العملاء والتجار ضمن أراضي المملكة العربية السعودية وخارجها.

مرَّت ست سنوات على انفصال أعمال سليمان الراجحي عن أعمال أخيه صالح، وبعد ذلك عاد الأخوان للاتفاق على عودة العمل معاً، وانضم إليهما الأخوان الآخران، فأصبحت الشراكة رباعية، وتولى الشيخ سليمان الراجحي بتفويض من إخوته إدارة أعمال الشركة وعملياتها ونشاطاتها ومجالات تفاعلها المتعلقة بالعقارات ومواد البناء.

نواة المصرف الإسلامي:

تتضمَّن قصة نجاح سليمان الراجحي مرحلة تكوين أول بنك إسلامي في السعودية، وواحد من أكبر البنوك الإسلامية في العالم، وانطلقت فكرة المصرف الإسلامي في ذهن الراجحي عندما كان يجوب الآفاق خلال أعماله الكثيرة، وتمعُّنه في التجارب الناجحة، وأعمال الصرافة التي كان يقوم بها، والتي كانت تحتِّم عليه العمل مع كثير من المصارف العالمية، فقد خشي الراجحي من السقوط في المحظورات الشرعية بعد أن اكتشف دخول فوائد ربوية قليلة إلى حساباته، ودفعه هذا الخوف والقلق إلى التفكير في ابتكار مفهوم جديد يمهِّد لتأسيس مصرف إسلامي.

تقدَّم الراجحي بطلب إلى مسؤولي بنك في “لندن” يتعلَّق بفتح مكتب للخدمات الاستشارية، لكنَّه قُوبِل بالرفض، أصرَّ الراجحي على موقفه، والتقى برئيس المصرف، وحصل على موافقته، وبعد صدٍّ وردٍّ تمت الموافقة على تأسيس شركة الراجحي المصرفية للاستثمار، وبلغ عدد مؤسسيها الأوليين 132 مؤسساً.

فُصِلَ البنك عن جميع الأعمال الأخرى، وهذا ما أثار جواً من المصداقية والثقة في الاستشارات، ثمَّ تفرغ الراجحي للعمل المصرفي، وأنشأ فروعاً متوزعة في أرجاء المملكة حتى بلغ عددها 500 فرعاً محلياً تمتلك أكبر شبكة صرافات آلية في المملكة، وفروعاً أخرى في بلدان العالم.

النشاطات الخيرية والاجتماعية:

النشاطات الخيرية والاجتماعية لسليمان الراجحي

تتضمَّن قصة نجاح سليمان الراجحي تفاصيل جميلة كثيرة، وعُرِفَ عنه نشاطه في المجال الخيري والاجتماعي، فهو قد تبرَّع بكثير من الأراضي والعقارات والأسهم، ووصل به الأمر للتبرع بثلثي ثروته، كما بذل الراجحي جهوداً حثيثة في تنظيم الأعمال وإدارة الوقف، وأسَّس منظمة خاصة للعمل الخيري والدعوة سُميت بمؤسسة “سليمان الراجحي الخيرية”، وهي مؤسسة وقفية ملتزمة بدعم المؤسسات غير الربحية المسجلة في المملكة العربية السعودية، والناشطة في مجالات التعليم والصحة والمجتمع والإعلام وبناء المساجد والدعوة وغيرها.

الأمن الغذائي والانتعاش الصناعي:

تتميَّز قصة نجاح سليمان الراجحي بغناها، فلم تتوقف نجاحات هذا الرجل العظيم عند مجالات الصرف والعمل الخيري؛ بل كانت له بصمات واضحة في مجالات الأمن الغذائي والانتعاش الصناعي، فقد عمل في مجال الدواجن والروبيان داخل المملكة وخارجها، ولم تخلُ أعماله هذه من خسارات فادحة، لكنَّها لم تكن سبباً في توقفه، وكانت للراجحي إسهامات زراعية حرص فيها على استخدام الأسمدة الطبيعية، والابتعاد عن استخدام المنتجات الكيماوية.

على صعيد الصناعة، فقد كانت قصته ذاخرة بمنجزات صناعية أيضاً، فهو منشئ مصنع الوطنية للبلاستيك، ومصنع الوطنية للبلوك الأحمر، ومصنع الوطنية للمنتجات الورقية والمعادن وغيرها.

ثروة سليمان الراجحي:

قصة نجاح سليمان الراجحي تقتصر على تحول الفتى الحمَّال إلى ملياردير، فقد جنى الراجحي من أعماله وجهوده الكثيرة ثروة عظيمة قُدِّرَت نحو 5.9 مليار دولار أمريكي، وضعته في المرتبة 107 من بين أغنياء العالم، والمرتبة السابعة بين أغنياء الوطن العربي، ولقد أوصى الراجحي بمنح ثلث ثروته لأولاده، أما الثلثان الآخران فأوصى بهما لشركة الراجحي والأوقاف.

وفاة سليمان الراجحي:

توفي سليمان الراجحي عام 2017 عن عمر ناهز 97 عاماً، وأوصى ألا تُقام له مجالس عزاء، والتبرع بقيمتها للجمعيات الخيرية.

في الختام:

قراءة قصة نجاح سليمان الراجحي تجعل الإنسان يخرج بكثير من العبر، أهمها أنَّ الثروات لا تُبنى بالكسل والأماني؛ بل تُبنى بالعمل الجاد والاجتهاد وعدم التكبر، كما نتعلَّم من قصة نجاح سليمان الراجحي أنَّ الغنى لا يشترط انشغال الإنسان بدنياه وملذاتها عن العمل لآخرته، وإنَّ في تبرُّع الراجحي بثلثي ثروته للأوقاف، وتكريس حياته للأعمال الخيرية يعلِّمنا كيف نتمسَّك بإنسانيتنا، ونفكِّر بالمستضعفين حتى عندما نكون في عزِّ قوتنا وجبروتنا.

نتمنَّى أن تكون قصة نجاح سليمان الراجحي مُلهمة لكم، وحافزاً على السعي نحو أمنياتكم بكل جد ومثابرة.


اكتشاف المزيد من موقع الربوح

اشترك للحصول على أحدث التدوينات المرسلة إلى بريدك الإلكتروني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

اكتشاف المزيد من موقع الربوح

اشترك الآن للاستمرار في القراءة والحصول على حق الوصول إلى الأرشيف الكامل.

Continue reading